يعرض الكتاب إطارًا تحليليًا شاملًا لفهم التحولات العميقة التي تشهدها الحروب الحديثة مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الميدان العسكري والاستراتيجي، فيبدأ الكاتب بتوصيف مرحلة جديدة من الصراعات حيث أصبحت الأنظمة الذكية من الطائرات المسيّرة إلى الخوارزميات ذاتية التعلم تشارك في عمليات الاستهداف، والتحليل، واتخاذ القرار، بدرجة تتجاوز القدرات البشرية في السرعة والدقة. ويشير إلى أن هذه التحولات لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تمتد إلى إعادة تعريف مفاهيم الردع، والسيادة، وحتى الأخلاق العسكرية.
ويؤكد الكاتب أن الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط "أدوات الحرب"، بل يبدّل أيضًا "عقلها الاستراتيجي"، بما يفتح الباب أمام صراع جديد يتداخل فيه الإنسان والآلة ضمن بيئة معلوماتية كثيفة وسريعة التحوّل.
فقديما، كانت الدول تمتلك الوقت لتطوير واختبار التكنولوجيا العسكرية، وكان يتعاقب على السلاح الواحد عدة أجيال من المقاتلين، وكان هناك فرصة لاختبار الأسلحة الجديدة وإحلال القديمة منها بأخرى متقدمة، لكن مع تسارع عمليات التطوير التكنولوجي للأسلحة مدفوعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، أصبحت الدولة مطالبة بأن تسير بنفس وتيرة السرعة، وأن تعيد النظر بصورة مستمرة في احتياجاتها من التقنيات العسكرية التي تتطور سريعاً، آخذة في الاعتبار القيود المفروضة على الميزانيات العسكرية من ناحية، وتصاعد التهديدات الإقليمية والدولية من ناحية أخرى.
ومن الأسلحة الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي التي يتناولها الكتاب والتي سوف تكون محل اهتمام الدول قريباً الذئاب الروبوتية التي تقوم بمهام الاستطلاع وتشتبك مع العدو وتقاتل، وأسراب المسيرات التي تهاجم من الجو والبحر في آن واحد وتجانس تام، والذخائر الحية التي تتحرك بين الركام وداخل الانفاق بحثاً عن هدفها، والمركبات المستقلة التي تحمل المؤن والسلاح وتعود بالمعدات المعطوبة والجنود المصابون، والأسلحة الموجهة بالليزر، والنبضات الكهرومغناطيسية القادرة على قطع الاتصالات و"شلّ" القدرات المعادية دون قتل مباشر، يُدير كل ذلك منظومة تعمل بالذكاء الاصطناعي، تحدد الأهداف وتصدر الأوامر، يقف خلف هذه المنظومة جنود تم تطويرهم وترقية أجسادهم بتقنيات ذكية، لديهم أعين أيونية ترى في الظلام وخلف الجدران، وأطرافهم صناعية من الحديد والفولاذ قادرة على السير لمسافات طويلة دون عناء، يُطلق على هؤلاء الجنود "مقاتلوا السايبورج".
ومع تعاظم التأثير الذي تلعبه التقنيات الذكية مثل نظم الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار والمركبات المستقلة والحواسيب الخارقة والكمومية والأسلحة السيبرانية والمعلومات الاستخباراتية التي يمكن الوصول إليها من المصادر المفتوحة Open Source Intelligence، ومع دمج تكنولوجيا "السايبورج "في التطبيقات العسكرية فإن ذلك قد يؤدي إلى ثورة في الشؤون العسكرية ويغير بصورة كبيرة من شكل الحروب في المستقبل القريب.
هذا التطور يُعيد تعريف مفهوم "التفوق" من خلال "الكم" و"الضخامة" إلى التفوق النوعي، فحينما يمتلك الخصم المزيد من السفن والمزيد من الصواريخ والمزيد من المقاتلين، في مقابل محدودية الأسلحة والأفراد التي يمتلكها الطرف الآخر؛ تصبح الأسلحة القابلة للتضحية في هذه الحالة فعالة أمام الكتل الضخمة مرتفعة التكلفة. وفي هذه الحالة تستطيع الجيوش الصغيرة زيادة فاعليتها وتأثيرها أمام الجيوش الضخمة عبر أدوات ذكية ورخيصة، وبالمثل تستطيع الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية أن تمتلك ميزة نسبية من خلال هذه التقنيات في مواجهة الجيوش النظامية؛ مما يغير من معادلة التفوق العسكري.
كما أن المفهوم التقليدي للردع تأثر أيضاً بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ لم يعد بمقدور أي خصم أن يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تنفّذه وما هي قادرة عليه، فهي تقنيات مربكة لساحة المعركة ولأدوات القتال التقليدية، كما أنها قللت من فاعلية الردع التقليدي؛ لأنها جعلت كلفة الهجوم منخفضة، فحين تتاح وسائل الضرب بتكلفة زهيدة يصبح من السهل المبادرة فيسقط معها الردع؛ ومن ثم أصبحنا أمام بيئة ردعية جديدة، لم تعد تقوم على وضوح العقوبة؛ بل على ضبابية القدرة وتعدّد سيناريوهات التهديد، حيث الخوف لا يأتي مما نعرفه؛ بل مما لا نستطيع التنبؤ به.
ولا تتوقف أدوار الذكاء الاصطناعي فقط على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، بل أيضاً تشمل المستويات الاجتماعية والإنسانية والقانونية، فيصبح الذكاء الاصطناعي فاعلاً في العلاقات الدولية له حقوق وعليه التزامات، يأخذ قرارات تتعلق بحياة الأفراد ومصير الشعوب، ويتحكم في الاقتصاد والتجارة الدولية، يخبر الأفراد ماذا يأكلون وأين يقيمون ومتى يقاتلون، ويُنتج أسلحة غير مسبوقة ويخلق حاجات إنسانية جديدة ويولّد قيماً ومبادئ أكثر مادية، فيُشكل نظاماً دولياً جديداً قائماً على ما تجود به نظم الذكاء الاصطناعي.
top of page
وحدة SKU: 978-9948-660-17-0
11.00$ سعر عادي
3.30$سعر البيع
bottom of page








